0
مقديشو(زوايا) حسن محمد حاج
فوجئ رئيس الوزراء الصومالي الجديد بما لم يكن  يتوقعه، فقد جرى العرف السياسي في الصومال، خصوصا في عهد الحكومات البرلمانية، قبل عام 1960 وبعد عام 2000  ان يستجيب النواب لرغبة رئيس الجمهورية ولا يعرقلوا اجرائات التصديق على رئيس الوزراء المعين، من قبل الرئيس، لم يحدث هذا  بالنسبة لرؤساء الوزرات الثلاث الذين سبقوا  انقلاب اكتوبر 1969  وهم شرماركي 60 – 64 وحاج حسين 64 -67 وابراهيم عجال 67 – 69 ولا بالنسبة لنظرائهم  بعد احياء النظام الدستوري علم 2000 واخرهم نجل اول رئيس وزراء صومالي عمر شرماركي الذي قضى في منصبه 18 شهرا اعتبرت نموذجا للفشل السياسي والاداري
ولكن رئيس الوزراء الجديد  الذي جاء به الرئيس من القارة الجديدة التي هاجر اليها وهو لايزال بعد في ربيعه الحادي والعشرين، اصبح الاستثناء الاول من هذه القاعدة،
 ونحن  لسنا هنا بصدد تقييم الاداء المستقبلي المتوقع للسيد  محمد عبدالله فرماجو ، ولن نزعج انفسنا بالتنقيبفي مؤهلاته  او البحث في مدي اهليته للمنصب الكبير ، ولكن مايعنينا هنا هو ان نعرف مالذي يعرقل عملية مروره عبر البرلمان، وكيف  اصبح هذا الشاب الذي قضى اكثر من نصف عمره في المهجر الامريكي ، محور النزاع بين الصديقين والحليفين (( الشريفان)) شريف شيخ احمد رئيس الجمهورية وشريف حسن شيخ ادم رئيس مجلس النواب
علاقة فريدة من نوعها
منذ ان قدم شريف حسن شيخ ادم الى مقديشو  - في يونيو \حزيران من عام 2006 في محاولة للتوسط بين الحكومة الفيدرالية القابعة في بايدوا، والتي كان يرأسها  الكولونيل عبد الله يوسف  وبين مجلس المحاكم الشرعية  الذي كان يسيطر على معظم الصومال ويقوده الشاب  الصاعد النجم شيخ شريف شيخ احمد – وهناك علاقة صداقة فريدة من نوعها  تنمو بين الرجلين  وهي صداقة بلغت حد ان اعلن الشيخ شريف في لقاء مع الجالية الصومالية في  نيويورك بعد ان لصبح رئيسا للجمهورية ان لايملك من يثق به سوى وزير ماليته انذاك شريف حسن شيخ ادم ، وجائت اوقات اعتبر فيها  شريف حسن الرئيس الفعلي للسلطة الانتقالية، ولكن هذا كله اصبح على ما يبدوا في خبر كان.
ففي  ال20 من اكتوبر  الجاري  وقف الرئيس شريف شيخ احمد امام نواب البرلمان  ليطلب منهم التصديق على الرجل الذي وقع عليه اختياره لشغل منصب رئيس الوزراء ، وكعادة  رؤساء الجهورية  فأن الرئيس لم يفصل كثيرا ، في كيفية عثوره على  هذا الدبلوماسى  الغير معروف كليا، ولكنه اكتفي بالقول انه وبعد مشاورات مكثفة وتوفيق من الله تعالي قد رأي ان محمد عبد الله فرماجو 48 سنة  هو اتلاجدر بشغل هذا الفراغ، وبعد كلمات موجزة من رئيس الوزراء الجديد تعهد فيها  بالعمل لى حترام الدستور واعادة الامن والاستقرار، توقع الجميع ان تمر عملية الاقتراع بسلاسة ليصبح السيد محمد فرماجو رئيس الوزراء الثالث عشر في تاريخ الصومال، ورغم ان اسيد فرماجو مجهول تماما عند معضم - ان لم نقل كل -اعضاء البرلمان المفترض فيهم ان يمنحوه ثقتهم الا ان الفترة مابين 14 اكتوبر يوم ان اعلن الرئيس عن اسم مرشحه والـ 20 من نفس الشهر وهو تاريخ  انعقاد البرلمان للتصديق على المرشح ، كانت قد استغلت من اجل الضغط على النواب لتمرير اختيار الرئيس ، وكانا الثقة بأن الامور تسير كما ينبغي واضحة في نرات صوت الرئيس ورئيس وزرائه الجديد
المــفــاجـــأة
وقبل ان تبدأ عملية الاقتراع  وقف الناءب عبد الرحمن ورسمة ليتلو امام المجلس بيانا يطالب فيه 43 نائبا بأن تكون عملية الاقتراع سرية، بدلا من الاقتراع العلني كما جري بذلك العرف السياسي منذ عام 60  ولكن كتلة النواب المحسوبة على رئيس الجمهورية اعترضت على ذلك ، خصوصا بعد ما بدا ان رئيس البرلمان متعاطف مع فكرة الاقتراع السري، ووقف النائب  عبد الرشيد عيرو  ليعلن بأسم  140 نائب انهم يتمسكون بفكرة الاقتراع العلني ،  ولكن هذه المجموعة اتي كانت تري انها تمثل الاغلبية وان ماتطالب به  هوما درج العرف السياسي عليه ، فوجئت برئيس المجلس يعلن انه وحسب الفقرة الثانية من المادة الرابعة والثلاثين من لائحة البرلمان الداخلية فأنه في حالة اختلاف الاراء بين التقريع العلني والسري فان الاولوية تكون للاقتراع السري، وامر بأحضار الصناديق  والاعداد لمباشرة الاقتراع، وهنا بدأ النواب المعارضين لهدا التوجه ي اطلاق صرخات الاحتاج والزعيق والصفير ، واختلط الحابل بالنابل ، مما اضطر رئيس البرلمان الي الاعلان عن رفع الجلسة الى اجل غير مسمى
صراع سلطة
اثار موقف رئيس البرلمان دهشة الكثيرين من مراقبي السياسية الصومالية، نظرا للعلاقة المتينة التى تربطه برئيس الجمهورية وهي علاقة وصلت الي حد المصاهرة، ولكن المدقق في خفايا السياسة الصومالية يجد ان الرئيس  شيخ احمد والذي بدا لفترة  وكأنه قد تنازل عن سلطاته الدستورية لصالح صهره شريف حسن ، قد اكتشف فجأة انه  رئيس البلاد وانه يستطيع اتخاذ  القرارات دون الاستأذان  من وزير ماليته السابق وئيس برلمانه الحالي، وكان اول استعراض للقوة  ، هو الغاء شرعية اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور والتي كانت تعمل بوحي من رئيس البرلمان، ثم تجاهل وساطة شريف حسن  للحيلولة دون اجبار رئيس الوزراء السابق عمر شرماركي على الاستقالة،، واستبعاده من اطر مشاورات الرئيس لاختيار رئيس الوزراء الجديد،، ولا شك ان الطاقم المحيط بكلا الرجلين يلعب دورا كبيرا في اذكاء نار الخلاف  بين الحليفين السابقين لحاجة في نفس يعقوب
ازمة دستورية
وهكذا بدأ كل طرف  في تقديم شروحه وتفسيرته لبنود الدستور واستخراج المواد والفقرات التاي التى تؤيد حجته، واندلعت معركة دستورية على صفحات الصحف والجرائد المحلية وعبر الاذاعات ووسائل الاعلام الاخري ، وتفنن كل طرف ، في تأويل نصوص الدستور حسب هواه، واثناء هذا كله كانت قوات الاتحاد الافريقي ومقاتلى حركة الشباب يمارسون هوايتهم المفضلة، وهي تبادل القصف المدفعي العشوائي، واصدار بيانات النصر وتوجيه الاتهام للطرف الاخر بالمسؤلية في مقتل المدنين الابرياء، في حين انشغل قادة البلاد في  في خلق ازمة دستورية من لا شئ
دستور متأزم
يعد المرجع الدستوري الذي ترتكز عليه السياسية الصومالية حاليا من اكثر المراجع الدستورية بلبلة وتناقضا في تاريخ الفقه الدستوري قديما وحديثا.
ولكي لا نكنون متجنين على الزاقع فلنشرح الامر بشئ من التفصيل.....
عند انعقاد مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالي  في مدينتي الدروادوا وامبجاثي الكينيتين في الفترة مابين صيف 2002 وخريف 2004  اتفق المؤتمرون على انشاء ما اصطلح على تسميته بالمثياق الوطني  ليكونبماثبة دستور مؤقت للحكومة المزمع انشائها، وعندما تبين ان الميثاق  ذي الـ 72 مادة قد اغفل بعض النقاط تم التراضي على الاحتكام الى الدستور الذي تم وضعه عام 1960 ابان استقلال الصومال وهو الدستور الذي الغته حكومة محمد سياد برى العسكرية  عقب انقلاب 21 اكتوبر \تشرين الاول 1969 وتمت اضافة فقرة  للميثاق القومي تفيد ان دستور علم 60 هو المرجع الاول والاخير دون ان يتم توضيح ان كان ذلك الدستور مختصا  بما لم يذكره الميثاق  ام ان اية مادة فيه تعتبر لاغية اذا تعارضت مع مادة شبيهة في الدستور القديم، ومن هنا نشأت المشكلة الاولى فالبعض اصبح يشترط ان يكون بند الميثاق مطابقا  لمثيله في الدستور لكى يصبح شرعيا ، في حين يصر البعض ان الدستور لا يرجع اليه الااذا عجز الميثاق عن توفير الغطاء القانوني لمسألة ما، ومما زاد من تعقيد الامور ان الرلمان ، وخلال الفترة التي قضاها في بايدوا جنوب غرب الصومال، قد قام بأستحداث 39 فقرة جديدة اطلاق عليها اسم لائحة البرلمان الداخلية، لتنظيم  طريقة عمل البرلمان واختصاصات قيادته  وكيفية الاقتراع والحصانة البرلمانية وغيرها ، مما نتج عنه تهميش عدة مواد في الميثاق القومي.
الازمة الحالية والنصوص الدستورية
واذ اخذنا الازمة الحالية كمثال للتناقض بين النصوص نجد ان الفقرة الثانية من البند الرابع والثلاثين  من اللائحة الداخلية تقول:انه في حالة طلب 13 نئبا التصويت بشكل سري  فأن التصويت سيكون سريا مراعاة لسلامة النواب الشخصية، في حين ان الفقرة الرابعة من البند الاربعين من الميثاق الوطني توضح ان للنواب الحق في الاختيار بين التصويت السري والعلني ، ويفهم من هذا النص القرار يكون لاغلبية الاصوات، واخيرا فأن المادة الثمانين من الدستور القديم  تشرح في الفقرات الاولى والثانية والثالثة والرابعة،ان اقرار رئيس الوزراء المعين من قبل رئيس الجمهورية يتم خلال ثلاثين يوم من اعلان الرئيس اسم  مرشحه لرئاسة الوزراء عن طريق الاقتراع العلني وباغلبية صوت واحد 50% + 1 من عدد النواب الحاضرين، ومن هنا يتضح لنا ان الصومال ليس فيه ازمة دستورية بقدر ما يعاني من مواد متعارضة ودستور متأزم لا فاصل بين مواده وبنوده وفقراته
تصعيد الامور
ورغم هذه البلبلة في فهم وتفسير النصوص الدستورية الثلاث والتي تسببت في اكثر من مشكلة دستورية  حتى الان فقد كان من الممكن  تجاوز هذه العقبة ، اذا كان  هناك وفاق بين الرجلان القويان(( الشريفان))ولكن الامور تفاقمت الي حد يهدد بأثارة زوبعة سياسية تهدد بهز اركان الحكومة الانتقالية المهزوزة اصلا، فقد اصدر الرئيس شريف شيخ احمد بيانا موجها الي رئيس البرلمان  يتهمه فيه بعرقلة مجلس النواب وبث الفرقة بين اعضائه  والاخلال بالعرف السياسي للبلاد ويدعوه الى مراجعة حساباته وعدم افتعال المشاكل ، وفور صدور البيان وبثه عبر جميع وسائل الاعلام، سارع رئيس البرلمان الى الرد ،بالطريقة ذاتها واصدر بيانا يطالب فيه رئيس الجمهورية، بعدم التدخل في شؤون البرلمان والكف عن العبث بالدستور وعدم الضغط على النواب، واضاف البيان ان رئيس مجلس النواب شريف حسن شيخ ادم وحرصا منه على سلامة  ممثلى الامة لإانه يطالب قوات الاتحاد الافريقي (الاميصوم)  بالعمل على تأمين سلامة النواب في جلسة الاربعاء القادم والتي ستكون سرية كما ينص القانون كما يدعو الدول الصديقة والمنظمات الدولية والاقليمية الى ارسال مراقبين دوليين للتأكد من نزاهة العملية الاقتراعية، وهو ما سيشكل سابقة في حال استجاب المجتمع الدولي لهذا الطلب. 

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم

 
الى الاعلى