0

*بقلم : عبدالله كمال

في عام 2005 كان عماد الدين أديب يتكلم (مع) الرئيس.. وفي عام 2009 ثم عام 2010 أصبح عماد الدين أديب يتكلم (عن) الرئيس.. التحول إلي (عن) بعد أن كان (مع).. هو موجز المشكلة. وهي ليست مشكلة عماد الدين أديب وحده.. لكنها أيضا تواجه كل من تلبسه المرض (الهيكلي) المعروف في عالم الصحافة وتقاطعه مع السياسة.

هذا المرض ليس في حاجة إلي تعريف.. أعراضه معلنة.. إذ يعتقد المصاب به أن من حقه أن يقترب.. وأنه حين يقترب يجب أن يكون مسموعا.. وأن تلك الحالة تخلق له مكانة.. وأن المكانة يجب أن تدوم.. وإذا دامت لا بد أن تكون له وحده.. وإذا كانت له وحده فلا ينبغي أن تنتهي.

في الستينيات كان هيكل محتكرا للرئيس عبدالناصر.. وأنهي السادات حالة الاحتكار خصوصًا حين اعتقد هيكل أن علي الرئيس أن ينصت إلي رأيه وألا يستشير غيره. في هذا الزمن كان الصحفيون يستطيعون أن يقولوا إنهم أصحاب المشورة. لكن الأيام تبدلت.. والصحافة تطورت. والسياسة تقدمت.. ولم تعد المشورة مقصورة علي الصحافة.. وبرأ الصحفيون إجمالا من (المرض الهيكلي).. أدركوا أن صانع القرار لن يكون حكرا علي أحد.. وفهموا أن الحالة الهيكلية في عصر الانفتاح والتعددية لا يمكن أن تعود.. إلا من تخيل أن هذا قد يجوز حتي لو لم يكن (هيكل) بكل مواصفاته وتعقيداته.

والأستاذ عماد الدين أديب إعلامي معروف.. كان له صيته.. حين كان يمارس المهنة.. خصوصًا في مرحلته التليفزيونية.. أنا شخصيا لا أذكر له مرحلة صحفية.. غير شفوية مؤثرة.. وقد كان مذيعا مرموقا إلي أن توقف منذ سنوات.. بعد أن كان أحد أبرز ما اختتم به حياته المهنية - بعد اعتزاله - هو حواره الشهير مع الرئيس مبارك.. وفيه أعطاه الرئيس ما لم ينله أحد آخر.. أطول حوار.. أدخله معه الغرفة السرية لعمليات القوات الجوية تحت الأرض.. وأعطاه حديثا ممتدًا.. استمر بضع ساعات وأذيع علي عدة حلقات.. وسمح فيه الرئيس بأن يقال له - علي الطريقة الأمريكية - (أنت).. وقبِل ألا يقال له (سيادتك) أو (السيد الرئيس).. ذلك أننا كنا قد دخلنا عصر مبادرة الرئيس الشهيرة بتعديل الدستور في فبراير 2005 .

لقد كان الحوار - حسب ما هو مفهوم الآن - جزءًا من حملة إعلامية موسعة سبقت إعلان الرئيس عن ترشيح نفسه في انتخابات عام 2005 إذ أذيع الحوار في أيام 24 و25 و26 أبريل بمناسبة ذكري التحرير.. وكان عنوانه (كلمة للتاريخ).. وهو بالفعل كان مجرد (كلمة) علي ما اتسم به الحوار من امتداد وتوسع.. إذ إن الرئيس قد سجل كلماته وذكرياته بطريقة أخري سبقت هذا العمل التليفزيوني بفترة.. وهو ما لم تتم إذاعته حتي الآن.

حصل عماد الدين أديب علي السبق، بسبب خبراته ومواهبه التليفزيونية، غير أنني لا أعتقد أنه كان سبقًا سعي إليه بقدر ما أُعطي له.. ولا أعتقد أنه هو الذي طلب إجراء الحوار.. ومن ثم فإنه بعد أن أذيع وأثار جدلا كبيرًا.. لأسباب تتعلق بالأساس بشخصية الحوار وما قاله الرئيس ومجريات النقاش.. دون أن نغفل الكفاءة التليفزيونية للمحاور وسماته أمام الكاميرا.. فوقتها لم يكن المناخ الإعلامي منفتحًا بهذا القدر الذي يكشف عن مذيعين مختلفين لديهم إمكانيات متنوعة.. وبعد أن أذيع البرنامج الاستثنائي لم يدرك عماد الدين أديب ما هي حدود المسألة وأبعادها.. وأعتقد أنه لو فكر فيها مليا الآن لتبين له أن من الممكن أن يجري نفس الحوار الأساتذة: عمرو عبدالسميع، معتز الدمرداش، راندا أبوالعزم، عبداللطيف المناوي، تامر أمين، وكثيرون غيرهم.. بافتراض أن هذا الحوار سوف يتكرر.

وفيما يبدو فإن الشحنة الكهربائية للحوار كانت أكبر من قدرة الأستاذ عماد علي التوقع.. علي الرغم من أن في تاريخه المهني الكثير من اللقاءات البارزة مع مختلف السياسيين، حين كان يقدم برنامجه المعروف (علي الهواء).. ومن ثم انطلقت حوله شائعات مختلفة.. لم يشأ أن يقيدها.. فقيل مرة إنه سيكون رئيسًا لمجلس إدارة الأهرام.. وقيل إنه سوف يكون وزيرًا للإعلام.. وقيل إنه سوف يحصل علي تصريح بتأسيس محطة تليفزيون.. وقيل الكثير مما أسعد - بلا شك - الأستاذ عماد.. وتركه ينتشر حوله.. إلي أن مضت السنوات ولم يتحقق شيء من هذا كله.. فهي مواقع ومهام ترتبط بمواصفات لا بد أن تكون وثيقة الصلة منذ البداية مع المؤسسة المصرية.

مهنيا ووظيفيا وتمويلاً، انتمي الأستاذ عماد للمؤسسة الإعلامية السعودية.. رتع في رحابها بأبعادها المختلفة.. ولا يمكن وصفه بأنه كان صحفيا مرموقًا نشر أخبارًا وكتب مقالات بقدر ما كان متميزًا في صناعة المنتج الإعلامي.. سواء كان جريدة أو مسلسلاً أو فيلمًا أو برنامجًا.. هذا في حد ذاته إنجاز كبير.. لكن لم تعرف له أيديولوجية ولم تعرف له كتابات فكرية مميزة.. أو ترصد له اتجاهات سياسية بعينها يشار إليها علي أنها تخصه دون غيره.. وفي المرات القليلة التي كان فيها الأستاذ عماد يتصدي للكتابة الصحفية فإنه كان إما يواصل التدوين المختصر عن المشاعر والعواطف موجهًا كلامه إلي حبيبة مجهولة.. كما يفعل في مجلة (كل الناس) المنوعة حتي اليوم.. أو تصدي لتجربة مؤقتة لم يستطع أن يكمل فيها.. كما جري في «روزاليوسف» هنا علي صفحات تلك الجريدة اليومية.. حيث بدأ في كتابة عمود يومي.. شكرته عليه.. بعد أن توقف عنه بإرادته وبطريقة مفتعلة.. وبحيث بدا لي أنه غير قادر علي الاستمرار.. وهو ما تبين من انقطاعات متوالية ومن تكرار الأفكار ومن الأسلوب الذي تمنعني اللياقة أن أسجل عليه ملاحظات عديدة اليوم.. فقد كان ضيفنا وكنا نرحب به وكنا نسعد بذلك.. وحين ترك مقاله فإنني سجلت موقفًا محددًا هنا أيضًا في تلك الجريدة.

مضت سنوات وتلاشت الشائعات، أياً من كان الذي أطلقها حول الأستاذ عماد الدين أديب، هل هم من يعملون معه، أم أنه المناخ الصحفي والإعلامي العامر بالقصص والحواديت، ومع مضيها.. لم تتكرر تجربة الحوار الذي أجراه الأستاذ عماد مع الرئيس.. فهل كان ينتظر.. أم أن هذا ما كان يشيعه المغرضون عنه؟ هذه أسئلة يمكنه هو أن يجيب عنها.. وإذا كان لم يفعل بطريقة مباشرة فإن ظهوراته المختلفة علي تناقضها تعبر عن إجابات لم يقل بها، وإن جسدها.

في سنوات تلت حوار 2005، وهي بالصدفة حوارات مسجلة كان الأستاذ عماد الدين أديب يظهر تليفزيونياً كي يحلل مواقف السياسة في برامج مختلفة.. منها ما هو في التليفزيون المصري الذي كان يتمني شراء بعض قنواته الأرضية.. ومنها ما كان في برنامج أخيه الأستاذ عمرو أديب الشهير (القاهرة اليوم) قبل أن يتوقف.. ومنها ما كان في محطات وبرامج أخري.. وقد كان في البداية يقول كلامًا يصب في خانة أنه من مؤيدي الدولة المصرية.. بل يصل إلي حد ابتكار تفسيرات لمواقفها انطلاقًا من أرضية أنه (إعلامي مستقل) كما يفضل أن يقدم نفسه.. وإذا كان يجيد ذلك التقديم فإنني لا أراه ذلك المستقل بل إن لديه أجندة واضحة لها ميولها وأهواؤها ودوافعها.

وكان أن تغير الأستاذ عماد الدين أديب، بعد أن بلغت أعراض (المرض الهيكلي) ذروتها، وتجسد هذا بداية في الحوار الذي أذيع له في أكتوبر 2009 واقترح فيه (خروجًا آمنًا للرئيس).. ولم يكن من الممكن أن أشاهد هذا الكلام الـ(سئيل) وليس (الثقيل) دون أن أعلق عليه.. ووقتها كتبت في 27 أكتوبر 2009 في عمود (ولكن) تحت عنوان: (عماد والخروج الآمن).. إن التوفيق قد أفلت من الأستاذ عماد.. وهاجمت فكرته.. ونبهته إلي الخلل البنيوي فيما يردد.. علي أساس أننا لسنا بصدد رؤساء مصريين مشتبكين في معضلات تستوجب البحث لهم عن مخرج.. وإنما نحن نتحدث عن رئيس شرعي ومنتخب.

عندها وفي اليوم التالي اتصل بي الأستاذ عماد، حيث كان في مطار القاهرة، وعلق بكلام معناه أنه يرحب بالنقد، وأن فكرته ليست كما فهمت، ومضي إلي حيث كان مسافراً إلي باريس.. هذه العاصمة الفرنسية التي يقضي فيها معظم وقته.. وتنافسها في استضافته نيويورك.. بينما تتقهقر مكانة القاهرة في أيام حياته.

وفيما يبدو فإن عماد الدين أديب، وإمبراطوريته التي تعاني من مشكلات مالية فظيعة، جعلت حتي الصحفيين العاملين في جريدتي «العالم اليوم» و«نهضة مصر» لا يقبضون رواتبهم لأشهر، وجعلت الفتح الاستراتيجي لمؤسسته الفنية يتقلص إلي حد الصفر فيتوقف عن إنتاج الأفلام، بل المسلسلات، ومن بينها فيلم (محمد علي)، ومسلسل (حسن البنا) الذي تصدي له واعتذر عنه فيما بعد.. ربما لأن فيه مشاهد تتعارض مع المصالح المالية لمؤسسة عماد الدين أديب.. فيما يبدو فإن هذا الصخب الذي كان يحيط به.. قد تراجع.. لأسباب مالية.. فقرر أن يعوضه بطريقة إعلامية وسياسية.. للدقة بطريقة استعراضية تليفزيونية.

حسنًا، دعنا نعين الأستاذ عماد علي إحاطته بهذه الجلبة التي يسعي إليها، إذ ليس من الطبيعي أن يمر كل هذا الوقت دون خبر يذكر فيه اسمه.. أو موقف يشار فيه إليه.. ومبرري في هذا ليس شخصيا.. وليس تطوعًا من أجل تلبية ما يشعر بالاحتياج إليه الأستاذ عماد.. وإنما لأنه قال في حوار أخير علي قناة (دريم) ما يستوجب التعليق.. بحيث يجب أن يوضع في إطاره الحقيقي.. حتي لو طال الأمر في عدة مقالات.. إذ ربما كانت تلك محاولة من الأستاذ عماد الدين أديب لأن يحقق لنفسه خروجًا مناسبًا من المهنة.. خروجًا لا تلاحقه فيه مطالبات الصحفيين الذين لم يقبضوا رواتبهم.. والفنانين الذين أوحي لهم بمشروعات عريضة ثم لم يتمكن منها.. أو ربما كان هذا معينًا له علي أن يدخل إلي عالم السياسة من باب حقيقي.. فالذي يتصدي للتحليل عليه أن يقبل التقييم.. والذي يريد أن يعلن موقفًا عليه أن يتحمل تبعاته.. والذي يرغب في أن يقدم نفسه للناس علي أنه مفكر يجب أن يخضع لمقاييس التفكير أولاً.. والذي يريد أن تتناقل اسمه الأخبار يجب أن يقبل كل الحالات الواجبة لذكر الاسم.

لقد طالعت ما قال الأستاذ عماد، مع المذيعة دينا عبدالرحمن في برنامج (صباح دريم) وحاولت بداية أن أتوقف أمام مضمونه السياسي.. لكنه هالني إجمالاً بأمور غير سياسية.. وتبين لي أنه في حواره هذا منشغل بمسائل عائلية لها عنده الأولوية.. مسألتين للدقة.. الأولي تتعلق بأخيه الأستاذ عمرو أديب.. وبرنامجه (القاهرة اليوم).. والثانية تتعلق بزوجته السابقة ووالدة ابنه الأستاذة هالة سرحان.. وما جري في مسارها المهني.

وقتها وحين سمعت ما قاله بشأنهما كان عليّ أن أنحي جانبًا ما صرح به الأستاذ عماد بشأن السياسة.. فالمبررات عائلية قبل أن تكون سياسية.. ولكن هذه لا تنفي تلك.. وكلتاهما تستحق النقاش.. بدءًا من عند القضية التي استمع فيها المحققون لأقوال عمرو أديب في قضية طلعت السادات الشهيرة التي أعتقد ــ دون معلومات ــ أن عمرو قد حظي فيها بموقف روعيت فيه مجاملة أخيه.. أخيه الذي يبدو الآن منزعجًا مما يعاني منه شقيقه.. ربما لأنه أدرك أن برنامج عمرو أديب لن يعود.. استنادًا إلي معلومات يعرفها الأستاذ عماد الدين أديب من مصادر غير مصر


* رئيس تحرير روز اليوسف

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم

 
الى الاعلى