*بقلم : بدرية البشر
لفتت ظاهرة شباب مصر وهم ينظفون ميدان التحرير وكوبري ٦ أكتوبر أنظار العالم كله، وحازت على إعجاب لانظير له، حتى الأميركيين الذين تكثر في بلادهم مثل هذه الحملات، وقفوا عند حملة تنظيف ميدان التحرير معلقين: أنهم ولأول مرة يشاهدون شباباً ينظفون ما علق من ثورتهم في الميدان. في التلفزيون المصري ظهرت سيدة تقول إنها جاءت وحدها في أول الصباح مع أطفالها الثلاثة كي تنظف الكوبري، تقول هذه السيدة كنت وحدي، لكنني ما إن بدأت حتى تجمع الناس حولي ينظفون، أصبحنا في دقائق عشرين شخصاً، ثم أصبحنا آلافاً، ثم تقول:«لأول مرة أشعر بأننا نحب مصر هكذا، كنا من قبل لا ندرك هذا الشعور في قلوبنا».
هذه السيدة عندما هبطت للشارع لتنظف مع أطفالها الشارع كانت تريد أن تعلم أبناءها قيمة رفيعة، وهي التطوع للوطن بعمل خيري، أو مد يد العون لهذه الشوارع التي شوهتها أحداث ثورة كانون الثاني (يناير)، كانت السيدة تمد يدها لزرع قيمة في نفوس أبنائها، ويداً نحو شارعها ووطنها لتقيه شر الوساخة والقمامة والتشوهات الأخرى. هذه هي روح المبادرة الاجتماعية، الروح التي تؤمن بقيمة الخير وتسارع لفعله متحملة العبء والخسارة والتعب، لكنها في الوقت نفسه تجني راحة نفسية وقيمة مرتفعة لتقدير الذات والتفاعل الحي مع المكان والناس، القرآن الكريم يحثنا على المسارعة في عمل الخيرات والمسارعة هي المبادرة الحية من دون تخاذل. فإذا كنا والحال هكذا في القرآن وفي الأخلاق العربية، فمن الذي قضى على روح المبادرات فينا وجعلنا عبءاً على المجتمع بل وعلى الذات؟
الشباب الذين هرعوا في أزمة غرق جدة، هم شباب يشبهون شباب ثورة ٢٥ يناير، وبسمة عمير وغيرها من النساء والشباب وجدوا في هذه الأزمة ما أنهض روح المبادرة فيهم، والإسراع والتطوع لفعل الخير، وهو إنقاذ الغرقى وتوزيع المساعدات للأسر المتضررة.
هؤلاء الشباب شاركوا على مدار عامين في المرتين التي غرقت فيها جدة، جاؤوا لعالم المبادرات بلا مواهب ولا تدريب، سوى الإسراع في العمل التطوعي الخيري الذي سقط من مناهجنا ومن ثقافتنا، وحرم الوطن من طاقات متحمسة للعمل الاجتماعي العام.
شباب جدة فعلوا ما فعله شباب ميدان التحرير في حملاتهم التطوعية لكنهم وجدوا من يضايقهم، ويشك في أخلاقهم ويفصل نساءهم عن رجالهم، في وقت يحتاج كل يد وكل مشاركة، ويفصل لهم مواقع منفصلة بدعوى لا تختلطوا. الناس تغرق وتجوع وتتألم وهناك من هو مشغول بلا تختلطوا، والشباب الذين يخوضون بأرجهلم في الشوارع الغارقة بالماء يجدون من يلاحقهم ويضع لهم شروطاً بأن لايلبسوا السروال الذي يرتفع إلى ماتحت الركبة وما يعرف بـ«البرمودا» هؤلاء الذين أفزعهم جيش الشباب المبادر بالخيرات الذي يجعلها فوق كل قيمة، أين كانوا حين كان فساد الذمم والخلق، وغياب الرقابة، لتؤول جدة إلى ما آلت إليه؟
*صحيفة الحياة
إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم