0

تحقيق : هبة حمدان :



هماً تعيشه بعض الأسر والعائلات اقتربنا منهم عشنا معهم للوقوف على ما يدور من خفايا وأسرار في كواليس بيوت فيها طفل معاق يصرون على عدم الاعتراف به ورفضوا قضاء الله وقدره وذلك من أجل مشاركتهم هذا الهم وتسليط الضوء على حياة هذه الأسر التي باتت تتحرج أن تُعلن أن عندها طفلاً معاقاً تلافياً لنظرات الشفقة والشماتة والازدراء فضلاً عن الخشية أن يؤثر ذلك على مستقبل أبنائهم الآخرين وبناتهم خاصة في مرحلة الزواج ..وإلى تفاصيل هذا الهم الذي رصدته نساء من أجل فلسطين في التحقيق التالي..


أسرة صغيرة كانت حلماً


أم أسامة وهي أم لطفل معاق في العاشرة من عمره تقول في بداية زواجي رزقني الله بطفل معاق يعاني من ضمور في المخ والأطراف بنسبة 70% وقد أكد لي الطبيب أن طفلي يعاني من إعاقة شديدة وتشوهات في الأطراف وضعف في العضلات وانه يحتاج إلى رعاية شديدة داخل مركز متخصص مما أصابني أنا وزوجي بالحزن والألم الشيء الذي أثر على علاقتنا معاً كزوجين وجعلنا أكثر بعداً وتنافراً بسبب تلك الصدمة المروعة التي غيرت مجرى حياتنا في الاتجاه المعاكس وبعكس ما خططنا له وتمنيناه كزوجين متحابين .


تواصل أم أسامة مأساتها فتوضح كنا نحلم بأسرة صغيرة وأطفال أصحاء فابتلانا الله سبحانه وتعالى بطفل معاق ومشوه عانيت الأمرين في تربيته وعلاجه والعناية به لحين إدخاله لأحد المراكز المتخصصة في الإعاقة وهنا تنفست الصعداء وكان قراري بتكرار تجربة الحمل وإنجاب طفل آخر مجازفة بالنسبة لي غير مأمونة العواقب رفضها زوجي جملة وتفصيلاً لخشيته الشديدة من ولادة طفل آخر معاق ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى ورحمة بعباده أكرمني بولادة طفل سليم البنية مما شجعني على إنجاب 8 من الأبناء الأصحاء الذين أدخلوا البهجة على حياتنا.


لهذا طُلقت!!


أماس م فتقول لقد أظهرت الفحوص الطبية في شهور حملي الأخيرة بأنني أحمل طفلاً معاقاً شديد الإعاقة وبعد ولادته ومشاهدة والده له قام بتطليقي وبعدها بالغ في شتمي وإهانتي وتجريحي متهماً إياي بأنني نذير شؤم عليه ولا ألد إلا المعاقين كانت ولادته صدمة لي ولزوجي ولأسرتي ولكل من حولي، وتواصل لقد انتابتني نوبة من الهم والغم والحزن والألم مما جعلني أرفض إرضاعه وحمله وهدهدته أو حتى النظر في وجهه بعدها وأخفيته في غرفة مهجورة داخل سطح منزلي حتى تجاوز العاشرة من عمره بعدها ألحقته بمركز تأهيل خاص بالمعاقين شديدي الإعاقة ومازال هناك حتى الآن وقد أشعت لكل من حولي بأنه قد توفى منذ فترة طويلة اتقاء لشر فضيحة الإعاقة.  


وتضيف لقد رفضت فكرة معاودة تجربة الزواج مرة أخرى رغم كفاءة من تقدموا لي من الرجال الراغبين في الزواج مني لخشيتي من ظهور الإعاقة مرة أخرى في أطفالي القادمين فتاريخي العائلي لا يبشر بخير ولا يشرف وقد أسفر عن ولادة عدد من المعاقين في عائلتنا سواء في أسرة عمي أو خالي أو أختي أو أنا.


فرّ خطيبي


وهاهي رانية م فتاة جامعية تؤكد في طرحها لهمها لقد هجرني خطيبي فور اكتشافه لأمر أختي المعاقة وتواصل حكايتها لقد أحببته من كل قلبي وأردنا أن نكلل علاقتنا الشريفة بالزواج بعد أن صارحني بحقيقة شعوره نحوي وبعد الخطوبة اكتشف حقيقة أختي المعاقة  والتي كانت تصدر منها أصوات مزعجة من إحدى الغرف أثناء زيارة خطيبي لي والذي فر مذعوراً فور اكتشافه للحقيقة بحجة أن أسرته لا ترحب بهذا الزواج لو علمت بوجود ابنة معاقة داخل أسرتي لخشيتها من مسألة الوراثة وبأنه يخشى كثيراً من مسألة ارتباطه بي خوفا على ذريته القادمة من انتقال هذه اللعنة التي قوضت دعائم العديد من الأسر وحطمت سعادتهم وتوضح الفتاة قائلة لم أتمالك نفسي من هول الصدمة!! أيعقل أن يتنازل عني خطيبي بهذه السهولة من أجل وجود طفل معاق داخل منزلي لا حول له ولا قوة؟ ألا يخشى من ابتلاء الله له في ذريته القادمة التي أصبح يبحث عنها مع امرأة غيري؟!


نوع من الجهاد


لطيفة نموذج آخر من الصبر تقول" رزقني الله بثلاثة أطفال معاقين تتفاوت درجة إعاقاتهم بين الشديدة والمتوسطة ورغم ما تكبدته في سبيل رعايتهم وتربيتهم والعناية بهم من عناء إلا أنني مازلت متماسكة ومتحلية بالصبر ومفوضة أمري إلى الله " مضيفة "هؤلاء الأبرياء قد يكونون سبباً من أسباب دخولنا الجنة لأن تربيتهم والصبر عليهم هي نوع من الجهاد الذي سيكافئنا الله عليه ، لقد قمت بإدخالهم لمراكز رعاية متخصصة من أجل تأهيلهم وجعلهم أكثر تفاعلاً مع المجتمع والحمد لله قد استفادوا وأصبحوا أكثر استجابة للمجتمع الخارجي وها هو زوجي يشاركني تربيتهم ولا يفرق في المعاملة بينهم وبين إخوتهم الأصحاء.


إعاقة من نوع آخر


أم محمود لديها العديد من الأبناء وقد رزقها الله بهم معافون من أي إعاقة إلا أن الظروف أبت إلا أن تجعل ابنها الأصغر قعيد يحتاج لكرسي متحرك ليتنقل مابين البيت والمدرسة وتروى في أيام الحرب على غزة وأثناء قصف المواقع في السابع والعشرون من ديسمبر أصيب محمد بشظايا صاروخ استهدف موقع 17 أجريت له عدة عمليات جراحية انتهت ببتر ساقيه ليضاف لسجلات المعاقين حركيا وأردفت في بداية الأمر لم نتقبل ما حصل له حتى هو نفسه لم يتقبل ذلك وخضع لتأهيل نفسي لتعليمة كيفية التكيف مع الوضع الحالي ولكي يعتمد على نفسه في أموره الشخصية فهو عبء أضيف على كاهل الأسرة إلا أننا ومع مرور الأيام قد تقبلنا الوضع على ما هو عليه .


السواد الأعظم


من جهته استعرض مشرف برنامج التأهيل المجتمعي في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية مصطفى عابد نسبة المعوقين في قطاع غزة نحو 35886 معوق، وهو ما يشكل 2.5% من إجمالي سكان قطاع غزة الذي يقدر عددهم بمليون ونصف المليون نسمه حيث يعتبر القطاع الأكثر كثافة سكانية في العالم لافتا أن أكبر عدد من المعوقين يقطنون في محافظة غزة وتبلغ نسبتهم من إجمالي عدد المعوقين 28.2%.
وأشار إلى عدد المؤسسات الأهلية التي تقدم خدماتها للأشخاص المعوقين في قطاع غزة يزيد 55 مؤسسة موزعة علي كافة المحافظات، وتعمل مع مختلف أنواع الإعاقات وتتركز هذه المؤسسات في مدينة غزة وذلك بالإضافة إلى الخدمات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا.

وتطرق عابد إلى أثر الحرب الإسرائيلية والتي خلفت أكثر من 5500 جريح تعرض المئات منهم إلى بتر في أطرافهم السفلى، يتكبدون الكثير من المعاناة جراء تدهور أوضاعهم الصحية والنفسية من ناحية وجراء تأثر الخدمات المقدمة لهم من ناحية أخرى.

وأكد أنه بعد انتهاء الحرب مباشرة تم توجيه معظم المشاريع المقدمة إلى تأهيل ومساعدة معاقي الحرب والجرحى، بشكل قلل من استفادة بقية المعوقين، كذلك اهتمت العديد من المؤسسات بالمشاريع الإغاثة و الطارئة على حساب المشاريع التنموية.


600 مليون معاق


من جانب آخر تقول الدكتور سارة عبد الرحمن متخصصة في مجال الإعاقة أن العالم وضمن آخر الإحصائيات العالمية يضم بين كواليسه ما يقارب 600 مليون إنسان معاق ، 15 مليوناً منهم في الدول العربية وحدها و تؤكد أننا لسنا أول المجتمعات التي ترزق بعدد من المعاقين تجاوزت أعدادهم الآلاف وبشكل مذهل لم يسبق له مثيل في مجتمعنا الذي رزقه الله بكم هائل من المعاقين رغما عن أنفه إما بإعاقة من رب العالمين أو كتبت عليه جراء ممارسة الاحتلال على الفلسطينيين مضيفة ليس هناك أحد منا يدعي أن الإعاقة شيء جميل فيما أن أغلب الأسر تحتاج لوقت لتتقبل طفلها المعاق فإعاقة الابن أو البنت قد تدعو إلى الحزن والأسى في نفوس الآباء والأمهات بل إنهم يعتبرونها صفعة قوية مخيبة للآمال والتوقعات ، على حد تعبير البعض وتقول إن تربية الطفل المعاق أكثر صعوبة وأكثر مشقة وغالباً ما تتعرض أسرته لمشكلات وتتصدى لتحديات خاصة وصعوبات نفسية ومادية وطبية واجتماعية وتربوية ، وكل أسرة لها خصائصها الفردية وتتمتع بمواطن قوة محددة وقد تعاني من مواطن ضعف معينة وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن إعاقة الطفل تقود إلى تقوية العلاقات الأسرية من خلال المشاركة الزوجية في تحمل الأعباء بينما أشارت دراسات أخرى إلى عكس ذلك فبينت أن إعاقة الطفل قد تؤدي إلى حدوث مشكلات عديدة في الحياة الأسرية وخاصة منها تلك المرتبطة بإساءة معاملة الطفل المعاق نفسياً وجسمياً وتأثر العلاقة الزوجية وكذلك فإن أغلب الأسر تفضل عدم مواجهة الحقيقة ونراها تتنقل بابنها المعاق من طبيب إلى آخر حتى تتضح الرؤية وتتجسد الحقيقة ويتم تحديد نوع إعاقته حينها فقط يتملكها الحزن أو الشعور بالخجل من مواجهة المجتمع الخارجي وقد تتفاوت ردة فعلها حيال ابنها المعاق فأغلب الأطفال يتم إخفاؤهم أو نسيانهم داخل جمعيات الإعاقة وعدم السؤال عنهم واغلبهم قد يتعرض لإساءة المعاملة من قبل والديه الكارهين له الناقمين على تواجده بينهما وهذا قد يعرضه لخطر الموت أو التخلي عنه وإلى الأبد وقد سجلت حوادث لأسر قامت بإلقاء أطفالها المعاقين على قارعة الطريق فور ولادتهم رغبة في التخلص منهم ورحمة بحال أنفسهم فقط من شماتة المجتمع الخارجي والذي قد يشير بأصابع الاتهام لتاريخهم العائلي مما يسيء لسمعتهم ويضر بمصلحة أبنائهم وبناتهم حسب فهمهم وثقافتهم.


عوامل خارجية


وتوضح د. عبد الرحمن بأنه ليست كل إعاقة مرتبطة بالوراثة والجينات واغلب أنواع الإعاقة ينتج عن عوامل خارجية لا دخل لها بالوراثة مطلقاً كإصابة الأم بنوع معين من الأمراض كالحصبة الألمانية أو تناولها لبعض أنواع العقاقير والأدوية التي أثبتت التجارب تسببها في إحداث أنواع معينة من التشوهات والإعاقة.


مما يؤكد لنا كما تقول عبد الرحمن أن اغلب أنواع الإعاقة لدى الأطفال لا ترتبط بالعوامل الوراثية وعلى كل حال يجب علينا الإيمان بالقضاء والقدر و تقبل مشيئة الله وبدلاً من أن نندب حظنا في ولادة طفل معاق يجب علينا أن نبحث له عن الجهة التي تستطيع توفير الخدمات التربوية التي من شأنها تلبية الحاجات الخاصة به ومساعدته على الاندماج داخل مجتمعه وتقبل الطفل كما هو فتعزيز التحسن يقود إلى المزيد منه.


حالات كثيرة لماذا؟


وتضيف عائشة سالم أن أغلبية الأسر ترفض مواجهة الحقيقة بل وترفض حتى مجرد الاعتراف بوجود طفل معاق لديها!! وتظل تعيش أعواما وأعواماً تحت تأثير الخوف والصدمة المروعة التي حلت بهم والناتجة عن ولادة طفل معاق لم يكن مرحباً به بل ولم يكن يدور بخلدها وحسبانها فمسألة الإعاقة لدى بعض الأسر مسألة مكروهة ومرفوضة جملة وتفصيلاً ومن غير المستحب لديهم التحدث عنها أو الخوض في تفاصيلها.


وتابعت سالم يجب ألا ننسى أن إعاقته نشأت بمشيئة الله ولا اعتراض على مشيئة الله ، فقد يكون هذا الطفل المعاق أفضل ألف مرة من ابن عاق أو مدمن مخدرات قد يلاقي والداه حتفهم على يديه، وقد يأتيهما الأجر والمثوبة من الله على تربية هذا المعاق الذي قد ندخل بسببه الجنة.


الخفية حفاظاً على الشعور


وهل الأمانة الطبية وشرف المهنة تبيح للطبيب ضرورة إخبار المرأة بحقيقة إعاقة جنينها فور اكتشافه لذلك د. إياد حسنى استشاري أمراض النساء والولادة أكد على أن أغلبية الأطباء يفضلون الصمت والتكتم فور اكتشافهم وجود إعاقة بالجنين حفاظاً على شعور المرأة وعدم إشغال ذهنها بأمور مقلقة لها خصوصاً وأنها تعاني من إجهاد الحمل واكتشافها للحقيقة فهذا قد يحملها أعباء ومتاعب إضافية تضر بصحتها هي في غنى عنها في هذه المرحلة.


ولكن قد يستوجب شرف المهنة والأمانة الطبية اطلاع الزوجين على مسألة إعاقة طفلهما قبل ولادته كما يشير د.حسنى بهدف إعدادهما وتهيئتهما نفسيا لتقبل الصدمة ليس إلا .. وليس من اجل اتخاذهما لقرار الإجهاض والتخلص من الطفل والذي يعتبره ديننا الإسلامي قتلاً لنفس بريئة دون وجه حق ومن رحمة الله بعبادة أن نسبة كبيرة من الأجنة المشوهة ينتهي أمرها بالإجهاض أو بالموت بعد الولادة.


أمر ضروري


 وأضاف وكوني طبيب نساء وولادة فإنني أجد أن اطلاع الزوجين على حقيقة إعاقة طفلهما من الأمور الضرورية التي يجب البت فيها على وجه السرعة هكذا يؤكد د. حسنى من أجل تهيئتهما لمواجهة الحدث الأسوأ في حياتهما وإخلاء مسؤولية الطبيب من كتمه للحقيقة وإخفائه لهذه المسألة الخطيرة الهامة في حياة الزوجين.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم

 
الى الاعلى