0
اغتيالات
مقديشو : شافعي محمد:

الصومال سلسلة اغتيالات مدبّرة لقيادات عسكرية وشخصيات عامة صناعــــــة «المــوت».. في الصومـــــــــال! مقديشو: شافعي محمد المتتبع لأحوال الصومال البائسة يرى أنها تتخبّط في أتون حرب جديدة بين الفرقاء الصوماليين الذين كانوا بالأمس القريب رفقاء درب في مواجهة قوات الاحتلال الإثيوبي، بعد أن اختلفوا في المسميات والأيديولوجيات، وتحولت العاصمة «مقديشو» - بفعل المعارك المتواصلة - إلى مدينة أشباح.. ولم يجد الشعب ملاذاًَ آمناً من الحروب المستمرة في المدينة التي عانت صراعاً دامياً بين أمراء الحرب الذين تقاسموا المدينة قبل بروز المحاكم الإسلامية. واشتدت هذه المعارك بين فرقاء الوطن، بعد اندلاع حرب دموية بين المحاكم الإسلامية (الموالية للحكومة)، وحركة الشباب المجاهدين في مقديشو، أسفرت عن إزهاق أرواح كثيرة، وأجبرت كثيراً من المدنيين على ترك منازلهم ليصبحوا لاجئين داخل وخارج وطنهم! واللافت أن المعارك الأهلية التي أنهكت البلاد حقبة من الزمن تحولت هذه المرة إلى حرب الأفكار والأيديولوجيات بين من رفعوا راية الجهاد في منتصف عام 2006م! وفي ظل التطورات المتلاحقة، شهدت العاصمة حروباً دموية بين الصوماليين، واغتيالات مدبّرة راح ضحيتها عدد من كبار القادة البارزين في الميدان العسكري الذين جابهوا التوغل الإثيوبي، واستهداف أكثر من قائد ميداني في المحاكم الإسلامية الموالية للرئيس «شيخ شريف شيخ أحمد»، بالإضافة إلى المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية «عبدالقادر علي عمر» في «سوق بكارة»، بعد انفجار مركبته بلغم أرضي كان مزروعاً على قارعة الطريق. وتيرة متصاعدة تصاعدت وتيرة العنف بشكل ملحوظ، وتمكنت جماعات مسلحة مجهولة الهوية من تنفيذ اغتيالات مدبرة استهدفت بعضاً من القياديين الميدانيين البارزين، وفي مقدمتهم القيادي البارز في المحاكم الإسلامية الذي كان يُدعى «شريف كريه» (13أبريل 2009م) الذي اُغتيل قرب مصنع بأحد الشوارع، بعد أن أطلق مسلحون مجهولون النار على سيارته، ثم أردوه قتيلاً ولاذوا بالفرار. وقبل ساعات من هذا الاغتيال، كان قد تمَّ دفن النائب في البرلمان الصومالي «عبدالله عيس» (قيادي بالمحاكم الإسلامية) الذي لقي حتفه على يد مجهولين أيضاً في حي «هورا» (شمال العاصمة).. ولم تكد دماء هذا العملية تجف حتى استهدفت الجماعات المسلحة قيادياً آخر في المحاكم الإسلامية يُدعى «محمد محمود» الشهير بـ«عجوينة» (21 أبريل 2009م) الذي اغتاله مسلحون مجهولون قرب منزله في حي «هدن» بعد أن أطلقوا النار على رأسه، ثم فروا من المكان، ولم تُعرف هويتهم بعد. ثم أخذت وتيرة الاغتيالات المدبرة في التصاعد، حتى انزوت إلى جانب المعارضة، عندما استُهدف قائد بارز في الميدان العسكري، وكان يُلقب بـ«قتاتوا» (30 مايو 2009م)، الذي انشق عن المحاكم الإسلامية قبل اغتياله بيوم واحد؛ لينضم إلى صفوف الحزب الإسلامي.. وقد تمَّ استهدافه عند تجواله بشارع «عرتوكتي»، ليلاً في وقت يسود فيه الظلام الدامس الشارع، ثم لحق به أفراد مسلحون، وأطلقوا النار على رأسه، وسقط على الأرض، ثم هربوا كعادتهم. حصاد مر بعدما شنت الحكومة الصومالية - صبيحة يوم الأربعاء 17 يونيو 2009م - هجوماً مباغتاً على الحزب الإسلامي الذي يتمركز في شارع «كاسو بلبلاري» في حي «هدن» استطاعت أن تسيطر على المراكز التي هرب منها الحزب الإسلامي.. لكن الحكومة لم تظل في هذه المراكز، بل تراجعت إلى الخلف بعدما لقيت هجوماً عنيفاً من قِبَل الحزب الإسلامي، ثم استعاد الحزب مراكزه المفقودة لبضع ساعات. ولم تجنِ الحكومة من هذه الحرب التي شنتها على المعارضة ثماراً، بل واجهت حصاداً مراً بعدما فقدت العقيد «علي سعيد شيخ» الذي لقي مصرعه عندما أصابته رصاصة طائشة خلال المعركة حسبما أكد ضابط حكومي للمحطات الإذاعية المحلية. وفي صباح الثامن عشر من شهر يونيو الماضي لقي العقيد «عمر حاشي آدم» وزير الأمن الداخلي مصرعه في عملية انتحارية وقعت بمدينة «بلدوني» (350 كم شمال مقديشو) عاصمة إقليم هيران بوسط الصومال؛ حيث اقتحمت سيارة ملغومة أحد الفنادق ثم انفجرت وسط نزلاء الفندق، مما أدى إلى قتل ما لا يقل عن 50 شخصاً وجرح أكثر من 100 آخرين، وكان من بين الضحايا وزير الأمن الداخلي، وسفير مقديشو لدى إثيوبيا «فارح لقنيو»، وعدد من ضباط الجيش الصومالي، ورؤساء العشائر، ومسؤولون من المحاكم الإسلامية التي تسيطر على مدينة «بلدوني». وقد كان العقيد «حاشي آدم» أحد الصقور الرئيسة لحكومة «شيخ شريف»، كما كان من أهم القيادات البارزة إبان وجود المحتل الإثيوبي في الصومال، وتُعَدُّ العملية التي استُهدف بها ضربة موجعة ونكسة جديدة للحكومة الصومالية؛ حيث كان الرجل يكثف من تحركاته في الفترة الأخيرة لحشد الدعم لمواجهة حركة الشباب والحزب الإسلامي في المحافظات الوسطى والجنوبية، كما لم يفتأ يكرر دعوته إلى مواجهة المعارضة الإسلامية قبل أن تعلن الحكومة حربها ضد المعارضة الصومالية. ويرى مراقبون أن مقتل «آدم» سوف يعرقل سير الحكومة الصومالية، ويجعلها تبدو كالطير الذي فقد ريشه؛ لتقع الحكومة في فخ المعارضة التي توعدت بمواصلة القتال حتى تصل إلى القصر الرئاسي بعد سقوط الحكومة الصومالية. وفي 19 يونيو الماضي، لقي النائب في البرلمان الصومالي «محمد حسين عدو» مصرعه بعد استهدافه بالرصاص أثناء اشتباكات دارت بين الحكومة وحركة الشباب المجاهدين في حي «كاران» شمال مقديشو.. وقد أجبرت هذه الاغتيالات التي تشهدها العاصمة أكثر من 100 نائب في البرلمان الصومالي على الفرار إلى الدول المجاورة حدودياً. الواضح أن هذه العمليات التي تشنها المعارضة الصومالية - أياً كان انتماؤها - آخذة في الازدياد؛ لأنها تمتلك من القدرة والإمكانيات المادية ما يؤهلها إلى استمرار أعمالها وهجماتها بشكل شبه يومي.. ويرى كثيرون أن هذه الاغتيالات لن تمر دون أن تترك انعكاساتها على الساحة التي تشهد أمناً متدهوراً في الآونة الأخيرة. إلى أين يسير الوضع؟! بات الوضع في الصومال مأساوياً، والمشهد السياسي غير واضح، ولا تبدو فيه بارقة أمل للخروج من المأزق السياسي، ولا يتطور هذا الوضع إلى الخروج من الفوضى العارمة والبلبلة الأمنية السائدة في البلاد لوضع حد لحمّام الدم اليومي وحل المشكلات المعقدة، ولن يسير أبداً بشكل سليم ومستقيم. وكانت حكومة «شريف» قد أعلنت سابقاً أنها غير مستعدة لخوض معركة حاسمة خلال المرحلة الراهنة، بينما المعارضة هي من سعى لإشعالها في هذا التوقيت؛ حيث أعلنت مواصلة الحروب حتى تنهار الحكومة الصومالية وتخرج القوات الأفريقية من البلاد. وفي المقابل، أعلن «شيخ شريف» استعداده للجلوس إلى مائدة المفاوضات لحل الأزمة بطريقة سلمية بدلاً من استخدام فوهات الرصاص وزئير المدافع، غير أن كل مطالبه لم تلق آذاناً صاغية.. كما أعلن أنه أمر القوات الأفريقية والصومالية بعدم الرد على القصف المتواصل الذي يستهدف القصر الرئاسي والميناء من قِبَل المعارضة. وقد واصلت المعارضة هجماتها بشكل شبه يومي، ما دفع الحكومة إلى القول: «إن المعارضة لا تفهم إلا لغة السلاح، وإن من واجبنا الرد على الهجمات والقصف المستمر».. وقد زادت المعارضة من هجماتها حتى استولت على حي «كاران» (شمال مقديشو)، واقتربت من مشارف القصر الرئاسي؛ حيث لا تفصل بين القصر والمراكز التي تسيطر عليها المعارضة سوى عشرات الأمتار فقط.. ورغم كل هذه الهجمات إلا أن أحداً من الطرفين لم يحقق نصراً مذكوراً في هذه الحرب التي بدت سجالاً بينهما. وتبدو الحكومة الصومالية غير راغبة في مواصلة الحرب، وتنتظر من المجتمع الدولي وخصوصاً الدول الإقليمية التدخل في الأمر، كما تحاول فتح حوار مع المعارضة بوساطة عربية أو إسلامية.. وقد تنجح هذه الوساطة المأمولة، ولكن نجاحها مرهون بشرط تخلّي كلا الطرفين عن الارتباط بحلفاء خارجيين!>













(نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية )

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم

 
الى الاعلى