دير الزور: ابراهيم مطر
حل علينا عيد الفطرالمبارك بأيامه الأربعة الذي يحتل في قلوب الأطفال مكانه خاصة ينتظرونه بفارغ الصبر حيث اتسعت دائرة الفرح في قلوبهم البريئه و يتبادل الناس التهاني مرددين لبعضهم البعض كل عام وانتم بخير إلا أن فرحه الأطفال بقدومه لها طقوسها الخاصة بهم يعبرون فيه عن سعادتهم بعفويه ومصداقية لا تشوبها شائبة ولعل أميز وأصعب ليله تمر عليهم هي ليله العيد فلا تكاد عقارب الساعة برأيهم تتحرك
يحملقون فيها مع حركات عقارب الثواني وكان اليوم الأخير عندهم بالدهر وما إن يسمعون صوت مدفع العيد قبيل صلاه العشاء ليله وقفه العيد حتى تتعالى أصوات الأطفال فترتسم على شفا فهم علامات الفرح والسعادة وترتفع أصواتهم مردده أهازيج السرور بانتظار الصباح يضع الواحد منهم لباس العيد على فراشه وحذائه الجديد أمام ناظريه ينظر إليها مبتهجا ويتصور نفسه وهو يرتديها يسرح به خياله فيشعر انه يتجول في السواق فرحا مسرورا ويأخذه الخيال ويروح به إلى المراجيح يبقى على هذه الحال حتى يغلبه النعاس يحاول إن يكابر فاتحا جفنيه الناعسين ويظل على هذه الحال حتى يغفو فينام قرير العين حتى يفيق على صوت أمه وهي تزرع على خده قبله العيد مردده قم يا صغيري فقد حل الصباح عندها يعانقها والبسمة تملى ناظريه يقبل يدها وهو يردد كل عام وأنت بخير يا أمي
وغالباً ما يشهد بيت الجد ازدحامه بالأطفال أيام العيد ويكون الازدحام على أشده في اليوم الأول حيث يلتقي أبناء الأعمام والعمات فيه يدخلون مع أهاليهم جماعات أو فرادا فيتوجه الجميع نحو جدهم وجدتهم يقبلون أياديهم ويتبادلون التهاني معهم مرددين لبعضهم البعض كل عام وأنت بخير يا جدي ... كل عام وأنت بخير يا جدتي ثم يقف الأطفال على شكل رتل للحصول على العيدية من الجد أو الجدة وهم فرحين مسرورين وما إن تقع العيدية في أيديهم حتى ينظروا إليها لمعرفة مقدارها بعد ذلك تجد طريقها إلى جيوبهم يحاولون الخروج من المنزل فتأبى الجدة إلا أن تضع أمام كل عائلة صحن كليجة العيد والأقراص فتنادي على حفيدها هذا فتعطيه قطعة من الكليجة و تصيح على تلك فتناولها القرص وتصيح بحفيدها الأخر تطعمه بيدها وهي تقبله مرددة : يا صغير ما أغلى من الولد إلا ولد الولد حقاً يجتمع الناس في بيت الجد الكبير والصغير فلا مكان للضغينة على الإطلاق الجميع يتبادلون التهاني والقبلات وهم يرددون كل عام وأنتم بخير تمتلىء قلوبهم بالمحبة والتسامح والتصافي فما أحلى أيام العيد ... يعيشها الصغير والكبير بقلوب مفعمة بالرحمة والتآخي والصفاء
واعتادت صالونات الحلاقة أن تزدحم بزبائنها يوم وقفة العيد وتبلغ ذروتها قبيل مصباح العيد . يجلس الكبير والصغير على المقعد كل ينتظر دوره إلا أن الأطفال غالباً ما يصيبهم الضجر من طول الانتظار وما أن تنتهي من قص شعره وتزيينه حتى يغادر باتجاه المنزل يدخل الحمام ليغتسل حمام العيد وما أن ينتهي حتى يستلقي على الفراش .. يغط في نومه بانتظار الصباح عندها يفيق على صوت أمه فيغسل وجهه ويبدأ بارتداء ملابس العيد يقبل يدي أمه وأبيه ويتبادل التهاني مع إخوته متبادلين قبل العيد يتعانقون بعفوية صادقة وهم يرددون كل عام وأنتم بخير يدعون للإفطار ... فيأبون ذلك ... رغم الجوع يشعرون بالشبع ... لا يريدون شيئا ولا يرغبون بتناول أي شيء في البيت ولايودون إلا أن يستلموا ( العيدية ) وما إن تصبح في جيوبهم حتى يغادروا المنزل باتجاه مواقع العيد ... يسرحون في الأسواق التي بدورها تزدان بهم .. إنهم أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض ..
والأطفال يقضون أوقاتهم الجميلة في الأماكن التي تتواجد فيها المراجيح وألعاب الأطفال وأماكن التسلية ولعل الأكثر حظاً بتواجد الأطفال هي الحديقة المركزية وما فيها من ركن للألعاب يقوم الكبار باصطحابهم إليها ليضلوا قريبين منهم وما أن يدخلوا ركن الألعاب حتى يتنقلوا فيها كالفراشات فهذا سامي يصعد المرجوحة وتلك نهى تركب في قاطرة القطار أما غالب يحاول الصعود إلى ( القليبية ) مع فاضل الذي كان يود ركوب السيارة ويتمنى أن لا يقع في التصادم مع السيارات الأخرى في الحلبة ... فهاهم يلعبون وقلوبهم عامرة بالفرح ينتقلون من موقع لعب وتسلية إلى موقع أخر كالحمامات ... لا تسعهم الدنيا ينظرون إلى بعضهم البعض فرحين مسرورين لا يعرفون معنى للحقد والكراهية ولا يخطر في بالهم سوى تبادل الابتسامات إنهم الأكباد يقضون أوقاتهم ببراءة منقطعة النظير يتمنى الواحد منهم أن يبقى يتنقل بين المرجوحه والسيارة والقطار والقليبية لينتهي به المطاف بالعلب في الاتاري فهذا يود المباريات وذاك يريد سباق الدراجات وآخر يرغب المطاردة وما أن يغادروا مواقع العيد باتجاه المنزل بعد أن هدهم التعب والأرق إلا أنهم يكابرون على ذلك ينامون بانتظار الصباح ليعاودوا المشوار في اليوم التالي باحثين عن موقع أخر يدخل في نفوسهم الفرح والهناء والسعادة .
ويبقى الحنتور تراثاً شعبياً حيث بدأ بالعودة من سالف أيامه ليكون حضوره على أشده أيام العيد فيقوم أصحاب الحناتير بتزيينها وزركشتها لتغري الأطفال بالصعود إليها ...يقف صاحب الحنتور مردداً على الكورنيش ... على الكورنيش ... فيبدأ الأطفال يصعدون الواحد تلو الأخر يجلسون أمام بعضهم وينظرون لبعضهم البعض متبادلين الابتسامات تمتلئ قلوبهم بالسعادة والفرح وما أن يمتلئ الحنتور حتى يصعد صاحبه فيجلس بقربه طفلاً ويبدأ المشوار عبر هذا الحنتور ماراً في الشوارع مردداً أهازيج العيد ... فيردوا وراؤه الأطفال الأهازيج فرحين مسرورين وهو يطوف بهم هنا وهناك حقاً أن العيد أكثر ما يكون للأطفال .. يبذل الأهالي ما بوسعهم لإدخال السعادة إلى قلوبهم إنهم فلذات الأكباد أعاده الله عليهم بالفرح والهناء وجعل جميع أيامهم أعياداً وما أن ينتهي المشوار حتى يبدأ الأطفال بالنزول من الحنتور الواحد تلو الأخر ويجتمعون في زاوية من زوايا العيد يتبادلون الحوار لاختيار موقع أخر لقضاء يوم العيد ...
ويشكل الأطفال غالباً مع بعضهم شلة فيتناقشون حول اختيار الكافتريا التي يودون ولما يجتمع رأيهم على إحداها يتجهون إليها فرحين مسرورين يمازحون بعضهم البعض في مشوارهم للكافتريا وما إن يصلوها حتى يجلسوا على إحدى الطاولات حسب رغبتهم يجلسون متقابلين فهذه زبيدة تود أن تأكل الكاتو وهذا علاء يرغب بالرز بالحليب وذاك خالد يريد شراب الكولا مع البسكويت أما سعاد فتعاند ولا تريد غير المحلبية يرتفع صوتها حين تحاول خالتها الصغيرة صباح أن تطعمها إلا أنها تأبى إلا أن تأكل بنفسها وتبقى تعاند حتى تضع خالتها تحت الأمر الواقع فتبدأ بتناولها بملعقة تكاد تكون أكبر من يدها ينظر إليها أقرباءها الأطفال وهم يضحكون مشيرين إليها وهي الأخرى بدورها تبادلهم الابتسامات ... حقاً إنها براءة الأطفال ... وما إن تحين لحظة المغادرة للكافتريا التي كانوا قد قضوا فيها ساعتين أو أكثر حتى يتشاورون لاختيار موقع جديد أم يكون الرأي العودة إلى المنزل للراحة وقت الظهيرة لتكون العودة بعدها إلى موقع جديد من مواقع العيد .
إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم