دخل جهاز التلفاز كل بيت وكل غرفة لدرجة أنه أصبح خبزاً يومياً يتناوله الأطفال مع وجبات الطعام، وآخر ما تلتقطه عيونهم قبل النوم، حيث يتشربون منه سلوكياتهم وأفعالهم اليومية، محاولين تقليد كل ما يصدر عنه دون وعي، ومن الملاحظ أن الأسرة حين تترك ابنها فريسة لهذا الجهاز فإنها تضعه أمام تأثيره القوي بالصوت والصورة، بكل ما يحتوي على مشاهد عنيفة ومخلة بالأخلاق، وقد أثبتت الدراسات أن برامج الأطفال تظهر مشاهد عنف أكثر بـ( 50- 60مرة ) من برامج الكبار ولا يخلو الأمر من أفلام الكرتون التي تتضمن أكثر من 80 مشهد عنف في الساعة
هناك الكثير من الأطفال الذين قلدوا مشاهد العنف التي شاهدوها في التلفاز , ودفعوا الثمن حياتهم , منهم محمود زاهر مرعي البالغ من العمر7 سنوات الذي شنق نفسه , وقد عثر أهله على جتثه ملقاة على سطح المنزل دون معرفة السبب .
وأوضح عم الطفل محمد مرعي، إن ابن أخيه كان من المتفوقين في الدراسة ولا يعاني من أية أمراض نفسية لكي تدفعه للقيام بشنق نفسه بهذه الطريقة "المؤلمة" مما جعل العائلة في حيرة كبيرة.
وشرح محمد إن ابن اخية قام بربط حبل حول عنقه وربطة بإحدى الأسلاك الظاهرة من إحدى الأعمدة فوق سطح المنزل، موكدا انه في هذه الأثناء كان الأب والابن الأكبر خارج المنزل والأم نائمة وانه جاء على أصوات الصراخ من المنزل لكي يرى ما يحدث فوجد الطفل معلقا، وقد فارق الحياة على الفور .
الطفل علاء ناصر 12 عاما قال "أشاهد المصارعة الحرة يوميا ولا أفوت منها حلقة , وأرغب أن أكون واحد من أبطالها خاصة جون سينا , فأنا ألعب المصارعة مع إخوتي يوميا لأنقض عليهم وأضربهم لأفوز , فأشعر بالسعادة أثناء ذلك حيث أشعر أني بطلا من أبطال العالم "
وقالت والدته أنه كان سيتعرض للأذى حيث وقف فق النافذة وقفز مقلدا المصارعين , ووقع يصرخ من الألم , ونحمد الله أنه لم يصاب بكسور .
محمد 14 عاما أوضح أنه يتابع مسلسلات الأكشن , وأفلام الرعب يوميا بمعدل خمس ساعات , ويسهر ليلا لوحده على قنوات الرعب , دون أن يشاركه أحد من أفراد أسرته , ويشعر بالمتعة أثناء المشاهدة , مؤكدا أن يحب أن يعيش بالخيال , ويحلم بأن يعيش مغامرة رعب , مهما كلفه من حياته .
قالت منى موسى الأخصائي النفسية في اتحاد لجان العمل لصحي , إن الأطفال يتأثرون بمشاهد العنف حسب أعمارهم فالأطفال تحت العامين لا يحتاجون لرقابة أثناء مشاهدة العنف التلفزيوني لعدم وعيهم , وعدم اكتمال مدركاتهم الحسية , والأطفال بعد الأربع سنوات يحتاجون لرقابة ولذلك يجب على الأم تفسير كل مشهد له ليكون مدركاته , وتصبح صحيحة داخل عقله ويجب أن لا تزيد مدة مشاهدته للتلفاز أكثر من أربع ساعات .
وأكدت أن التلفاز يؤدي إلى تشتت ذهن الطفل أثناء الدراسة كما يؤثر على قوته العقلية والشخصية حيث يدفعه لإسقاط ما يشاهده على أرض الواقع .
وأوضحت أنه أثناء مشروع الدعم لنفسي للأطفال في اتحاد لجان العمل الصحي , وفي إحدى الفعاليات تم عرض مسرحي يحتوى على قيم وعبر تربوية لهم , ولكنهم طالبوا بمشاهدة المصارعة , ولم يكترثوا بالعرض المسرحي رغم جودته , وتكلفته المادية .
وأكدت أن تحسس ملامح الأم من قبل الطفل من أكثر الفعاليات الناجحة حيث أن هناك الكثير من الأمهات يبتعدن عن أطفالهن , طوال الوقت بأشغال المنزل حيث يحرم الأطفال من لمس ملامح أمهاتهم وفي هذا المشروع سعدوا كثيرا أثناء ذلك , وبعد تحسس ملامحها طلبنا منه رسم ملامحها من خلال تفت قطع الورق على هيئتها ولصقها على ورقة أخري ليكون ملامح وجهها .
وقالت منى يجب على الأم أن تلهي أطفالها عن مشاهدة التلفاز من خلال اللعب معهم داخل المنزل , ورواية القصص لهم لتعلمهم أخطائهم , مضيفة أن نسبة العنف عند الأطفال ارتفعت هذا العام بنسبة كبيرة وخاصة داخل المدارس فهناك الكثير من الأطفال يتعرضون للعنف من قبل زملائهم .
وأضافت أن الأوضاع التي يعيشها قطاع غزة من حصار وبطالة , تجبر الأب على المكوث في المنزل ومشاهدة التلفاز لساعات طويلة مما يدفع الأطفال لمشاركته بالمشاهدة , بالإضافة إلى زيادة الأعباء المنزلية الملقاة على عاتق الأم مما يجعها تلهي أطفالها بمشاهدة التلفاز دون مراقبتهم , وبالتالي يخرج الطفل للعب في الشارع ليفرغ ما يشاهده على التلفاز علي أصدقائه , ويصبح العنف عملية دائرية ومتواصلة.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم