مطوع أمريكا
بقلم : فارس بن حزام
مجنون واحد في أقصى الدنيا يحرك مشاعر مليار مسلم، وحكومة بلاده تتحرك سريعاً متوسلة إيقاف مشروعه الصغير في حرق نسخة من القرآن الكريم، وخلال بضعة أيام يتحول تيري جونز إلى حكاية عالمية.
رجل الدين الأميركي ليس إلا نسخة مسيحية لكثير مثله في ديانات عدة، مارسوا تطرفهم بالتهديد والفعل، والكثير من صنف تيري جونز امتلكوا الشجاعة لتحقيق رغباتهم، فيما اكتفى فعله على الصوت، والاستعراض أمام الكاميرات، وعقد المؤتمرات الصحافية الهوائية في حديقة عامة، حتى تحول إلى شخصية عامة.
الجيد فيما حدث خلال الأيام الماضية، أن الناس لم تنزل إلى الشوارع لتندد بفكرته، ولم ترتكب الأفعال الحمقاء الموازية لمشروعه أو المتجاوزة له. فاقتصر التنديد على التصريحات والخطب في المساجد وفي وسائل الإعلام. وهنا نشهد سلوكاً جيداً، لربما ما كان له أن يستمر طويلاً لو حقق "مطوع أميركا" ما زعمه، فقابله المتطرفون من الجانب الآخر بأفعال دموية، وأقلها زيادة المنسوب الجماهيري في حقل "القاعدة".
فما الذي تغير عند الشعوب العربية والإسلامية؟
في الماضي القريب، كانت تنتظر أدنى تصرف فردي لتنزل سريعاً إلى الشوارع، إحياءً للمظاهرات، فتشعلها بالتخريب، إضافة إلى اعتلاء الحنجوريين للمنابر واحتلالهم شاشات التلفزة. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولله الحمد.
حتى وإن عاد تيري جونز إلى مشروعه، وأحرق نسخة من القرآن الكريم في مؤتمر صحافي، فما الضرر الذي سيلحق بالمسلمين؟ طبعاً، ستستثار المشاعر، وربما نشهد المظاهرات الدموية، وعودة موسم الحنجوريين، إلى نهاية الطريق المتطرف، المعلوم النهاية. لذا لن يصيب المسلمين أي ضرر، وسيكون ضررهم من أنفسهم وعلى أهلهم وفي دارهم، ويبقى جونز بعيداً في بلدته المنزوية، بعد أن يتحصل على الحماية الأمنية اللازمة.
على المسلمين غير الراشدين استيعاب أن تصرفاً كهذا لا يضيف إلى صاحبه أية قيمة، ولا ينزل من الإسلام أي قدر. وليس ببعيد، أن يعود "مطوع" أمريكا إلى فكرته المثيرة، أو أن يظهر "مطوع" جديد بفكرة مماثلة أو مقاربة، ليحرك العالم من جديد، فيتحول ديننا الإسلامي ومعه أكثر من مليار مسلم إلى لعبة يتسلى بها المتاجرون بالأديان وبالأعصاب، طالما أن القانون يقف إلى جوارهم..
إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم