د. إينا ميخائيل لوفنا - روسيا :
في روسيا بالتحديد يحظى شهر رمضان ر باهتمام خاص، ليس فقط من قبل المسلمين الروس، بل أيضا من قبل الجهات الرسمية الفيدرالية، حيث يزيد عدد المسلمين في روسيا عن العشرين مليون نسمة، ويشكلون الديانة الثانية بعد المسيحية الأرثوذكسية، ويتركز معظمهم في الأقاليم الإسلامية الروسية، مثل جمهوريات تتارستان وبشكيرستان وداغستان والشيشان، وغيرها من جمهوريات الاتحاد الفيدرالي الروسي.
وربما لا تختلف طقوس شهر رمضان في الجمهوريات الإسلامية الروسية عنها في باقي الدول الإسلامية، لكن الأمر يختلف بعض الشيء لدى المسلمين الروس من سكان المدن والأقاليم الأخرى غير الإسلامية، والذين يخضعون في نظامهم اليومي وفي عملهم، للقوانين الفيدرالية التي تسري على جميع المواطنين، بينما يقل ويتراجع نفوذ وسريان هذه القوانين بشكل كبير في الجمهوريات الروسية الإسلامية، إلى حد يكاد يختفي تماما في ممارسة الشعائر الدينية، والتي تسخر لها كل الظروف والوسائل في هذه الجمهوريات الإسلامية، التي تتوزع في الغالب في الجزء الجنوبي من روسيا.
وينتشر المسلمون في معظم مدن وأقاليم روسيا الأخرى، وفي موسكو وحدها يوجد أكثر من مليون مسلم روسي، بخلاف الآلاف غيرهم من المسلمين من الجاليات الأجنبية. وتتميز العاصمة موسكو بأن القوميات والأديان المختلفة تنصهر فيها وتندمج بشكل كبير، وبدرجة يصعب معها تمييز المسلمين عن المسيحيين أو اليهود أو غيرهم من معتنقي الديانات الأخرى غير السماوية.
ولا يمكن لأنصار ديانة معينة أن يتميزوا في موسكو ويظهروا على الآخرين من الديانات الأخرى، إلا للحظات معدودة أثناء الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية.
ومن النادر أن يشارك أصحاب ديانة معينة في مناسبات وأعياد ديانة أخرى، باستثناء رأس السنة الميلادية الذي لم يعد مناسبة دينية قاصرة فقط على المسيحيين، بقدر ما أصبح عيدا للجميع من معتنقي مختلف الديانات.
ويتميز شهر رمضان وسط كافة المناسبات الدينية في روسيا، بأنه عيد ممتد لشهر كامل، رغم أن المسلمين يحتفلون في نهايته بعيدهم الخاص وحدهم، إلا أنه أثناء أيام شهر رمضان اعتاد المسلمون في روسيا، وخاصة في العاصمة موسكو، أن يوجهوا الدعوات المفتوحة لغير المسلمين ليشاركوهم في مآدب الطعام التي يقيمونها بجوار المساجد المنتشرة في أنحاء العاصمة موسكو، هذه المآدب التي تلقى ترحيبا وقبولا غير عادي من غير المسلمين الذين تجذبهم الأطعمة المتميزة التي يعدها المسلمون في هذا الشهر، والتي ينفقون عليها ببذخ ملحوظ يتفق مع قواعد كرم الضيافة الذي يتميز به المسلمون والشرقيون عموما.
والمميز في شهر رمضان هذا العام في العاصمة موسكو، هو استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت، للإعلام عن طقوس هذا الشهر وعن مآدب الطعام المفتوحة للجميع من المسلمين وغيرهم.
وتتعامل الجهات الرسمية في العاصمة موسكو مع شهر رمضان باهتمام بالغ، يصل إلى درجة رفع حالة الطوارئ الأمنية إلى أعلى مستوياتها، وذلك تحسبا لاستغلال بعض العناصر الطائفية لهذه المناسبة بشكل يسيء للوحدة الوطنية بين مختلف طوائف الشعب الروسي، خاصة في أوقات تجمع المسلمين للصلاة في المساجد، حيث يزداد عددهم بشكل كبير.
خاصة في الصلاة الليلية، وبشكل قد يضطر الكثيرين منهم لفرش الساحات والشوارع المجاورة للمساجد لأداء صلاتهم التي تستمر لوقت طويل مساء، الأمر الذي يستدعي اتخاذ إجراءات استثنائية من قبل أجهزة الأمن في العاصمة، وبعضها إجراءات لا يسمح بها لأي طائفة دينية أخرى في روسيا، ولا حتى للغالبية الأرثوذكسية.
ومن هذه الإجراءات، استخدام مكبرات الصوت الموجهة لجموع المصلين حول المساجد، لتمكنهم من متابعة الصلاة مع إخوانهم داخل المسجد، وهو إجراء عادي في الدول الإسلامية، وأيضا في الجمهوريات الإسلامية داخل الاتحاد الفيدرالي الروسي، لكنه إجراء استثنائي ومميز للغاية في العاصمة موسكو، وربما يثير غضب البعض وحسد البعض الآخر من أصحاب الديانات الأخرى، لكنه أصبح أمرا عاديا في العاصمة موسكو.
خاصة وأنه يأتي بعد وليمة الطعام الكبيرة في المآدب المفتوحة التي يشارك فيها الجميع من المسلمين وغيرهم، كما اعتاد سكان العاصمة موسكو إغلاق الشوارع المحيطة بالمسجد الكبير في وسط العاصمة، أثناء الصلاة وتعطيل حركة المرور فيها، نظرا لحشود المصلين في الساحة المحيطة بالمسجد الذي يبعد عن وسط المدينة بأمتار معدودة.
كما تنتشر محلات "الحلال" في معظم أحياء العاصمة موسكو، والتي تبيع الأطعمة الحلال من اللحوم وغيرها، وقد تم فتح فروع كثيرة لهذه المحلات بتعليمات من الحكومة الروسية، والمدهش أن هذه المحلات تلقى إقبالا كبيرا من غير المسلمين، نظرا لتميز ما تقدمه من أطعمة وانخفاض أسعارها عن المحلات الأخرى، خاصة في شهر رمضان الذي يشهد ازدحاما على محلات الحلال بشكل غير عادي.
هذه المظاهر جعلت الكثيرين يتعاملون مع شهر رمضان في روسيا، وخاصة في العاصمة موسكو، على أنه عيد متواصل على مدى شهر كامل، للجميع من المسلمين وغير المسلمين، وهذه ظاهرة ربما لا نجد لها نظيرا في أي دولة أخرى من الدول غير الإسلامية في العالم.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم