0

بقلم : هاني العقاد
كانت قلوب الجماهير التي خرجت دعما لمساعي السيد الرئيس  ترتجف على امتداد تواجدها سواء بالوطن أو بالشتات  فقد ارتجفت القلوب في رام الله وجنين ونابلس والخليل  امتدادا إلى غزة ورفح وخان يونس  وبيروت وعمان والقاهرة وحتى نيويورك خوفا من أن يتراجع الرئيس في خطابة عن تقديم الطلب بالعضوية الكاملة للأمم المتحدة , وما أن دخل الرئيس قاعة الأمم المتحدة وضجت القاعة  بالتصفيق  الحار حتى أيقن الجميع أن الرئيس أبو مازن فعلها وقال كلمة كل الفلسطينيين بأننا شعب لابد وأن يعيش كباقي الشعوب الأرض في دولة أمنة ومستقلة وإننا شعب لن يثنيه شيء عن دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ,وبدا خطابة بتقديم التهنئة للسيد ناصر عبد العزيز النصر لتسلمه رئاسة الجمعية العمومية والسيد الأمين العام بان كي مون لانتخابه لفترة أخري كما قدم التهنئة لدولة جنوب السودان بحصولها على عضو بالجمعية العمومية للأمم المتحدة وبعد تقديم واف لمجمل السعي الفلسطيني للسلام و دور إسرائيل المحبط والمعيق  للوصول إلى حل نهائي للصراع الطويل , ومن ثم  قدم باسم  الشعب الفلسطيني  خمسة نقاط هامة للعالم ,أولها أن هدف الشعب الفلسطيني يتمثل في إحقاق حقوقه الوطنية الثابتة في إقامة دولته الفلسطينية  المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية فوق جميع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194 كما نصت عليه مبادرة السلام العربية التي قدمت رؤية الإجماع العربي والإسلامي لأسس إنهاء الصراع العربي , والثانية أن منظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني متمسكون بنبذ العنف وإدانة  جميع أشكال الإرهاب وخاصة إرهاب الدولة والتمسك بجميع الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل , والثالثة أن خيار التفاوض للتوصل إلى حل دائم للصراع وفق قرارات الشرعية الدولية هو خيار منظمة التحرير الفلسطينية ومتمسة بهذا الخيار ,والرابعة أن المقاومة السلمية لكل أشكال التميز العنصري وجدار الفاصل هو حق من حقوق شعبنا الفلسطيني وهو بهذا يحظي بموافقة القانون الدولي  الإنساني والمواثيق الدولية ,والنقطة الخامسة أن الفلسطينيين عندما لجئوا إلى الأمم المتحدة  يرغبون على تأكيد اعتماد الخيار السياسي والدبلوماسي وأن سعي الفلسطينيين لهذا الطلب  ليس إلا لعزل الاستيطان وإنهاء الاحتلال البغيض وإكساب الشرعية الدولية لقضية شعب فلسطين واعتقد أن جميع الدول تقف مع هذا الحق .
 
جاء خطاب الرئيس أبو مازن في زمن كانت كلمة التطرف الإسرائيلي هي المسموعة بالعالم و هي الكلمة التي تتغاضي أمريكا عن معارضتها بل وتسعي إدارة اوباما لاحتضانها ليحظي بدعم اللوبي الصهيوني والمؤسسات اليهودية الأمريكية في الانتخابات القادمة   و بالتالي فان وكالات الإعلام المتحيزة لإسرائيل تعمل لإبراز التطرف كحق لتبقي إسرائيل على قيد الحياة  ومن هنا تصبح إسرائيل فوق القانون  , وجاء  الخطاب ليكشف للعالم مدي الالتزام الفلسطيني ببرنامج السلام  والنضال السلمي و وضع بين أيديهم قرارا ليس بالهين التخلي عنه وهو قرار إنهاء الاحتلال الطويل  , وكشفت في نفس الوقت التحيز الأمريكي الظالم لصالح إسرائيل والتخلي عن دور الوسيط النزيه للدفع قدما نحو استقرار وامن المنطقة العربية من خلال اعتماد حل سياسي يعيد كافة الحقوق المنهوبة  للشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة وحق تقرير المصير , و كشف مماطلة إسرائيل وادعائها الزائف بسعيها للسلام في ظل استيطانها المخيف وتهويدها الأرض الفلسطينية  وتغير وقائع الأرض ليستحيل معها وجود دولة فلسطينية متواصلة الأطراف , و جاء الخطاب ليقول للعالم  انه منذ  مؤتمر مدريد للسلام و مرورا باتفاقية أوسلو وحتى اللحظة  فان الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية تثابر من اجل التعاطي الايجابي المسئول  مع كل مساعي التقدم نحو اتفاق سلام دائم , كما قدم السيد الرئيس باسم الشعب الفلسطيني  الشواهد الكافية على إمعان إسرائيل في تهجير وترحيل وتقتيل  هذا الشعب  وتدمير كافة ممتلكاته .
لقد أعاد خطاب الرئيس أبو مازن القضية الفلسطينية لموقع الاهتمام الدولي والذي يحتم على كل العالم التعاطي مع الطموح الفلسطينيين الجاد نحو العيش بسلام مع إسرائيل ضمن مشروع الدولتين , كما و وضع بين أيدي العالم حقائق ثابتة على كذب إسرائيل وزعمها بنظرية الأمن المفرغة والتي تفترض الأمن قبل السلام,  كما أعاد الخطاب تجديد الفلسفة الفلسطينية القائمة على إستراتيجية قبول الأخر لاستثمار العدل النسبي الذي يتيح عوامل السلام الدائم, وأكد الخطاب أن الخطوة الفلسطينية هي خطوة ليست أحادية الجانب كما تدعى إسرائيل بل هي خطوة أولى من خطوات إستراتيجية السلام الفلسطينية بل أن إسرائيل هي التي تكرس الاحتلال من خلال خطوات أحادية عنصرية قائمة على استخدام قوة الاحتلال مثل مصادرة الأراضي الفلسطينية وتحديد إقامة الفلسطينيين بمدن غير مدنهم بعد تهجيرهم من المدن ذات السيادة الفلسطينية .
ولقد حمل الخطاب عدة رسائل تحذيرية أولها أن المستوطنين هم الزيت الذي يضعه الاحتلال على النار وهم السلطة الخفية بإسرائيل وأن حكومة إسرائيل  توفر الحماية لسلوك مليشيات المستوطنين الإجرامية وكأنها تدفعهم لممارسة الإرهاب المنظم والخطير الذي سيقود المنطقة إلى مزيد من المعاناة وإن استمر هذا السلوك الإرهابي يعتبر تهديدا خطيرا للسلطة قد يؤدي إلى انهيارها بالكامل , كما حمل الخطاب رسالة للعالم بأن إسرائيل تحاول تحويل الصراع إلى صراع ديني من خلال مطالبتها العالم العربي والفلسطينيين بالاعتراف بالدولة اليهودية وهذا في الحقيقة شكل من أشكال انتهاك لحقوق الأقلية العربية التي تعيش في إسرائيل , وإن استمرت إسرائيل في خطواتها العنصرية هذه دون تدخل المجتمع الدولي فإن المنطقة مقبلة على صراع ديني طويل سيخلق دوائر تطرف عديدة بالعالم  .
Akkad_price@yahoo.com

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم

 
الى الاعلى