0

بقلم : د / هاني العقاد : 

بدا مجلس الأمن الدولي بمناقشة الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية الأمم المتحدة الكامل و الذي كان السيد الرئيس أبو مازن قد قدمه للامين العالم للأمم المتحدة في تمام الساعة الخامسة و خمس وأربعون دقيقة بتوقيت القدس يوم الجمعة 23 سبتمبر 2011 وبعدها قدم خطابه التاريخي الذي أكد فيه أنه بصفته رئيس دولة فلسطين قدم قبل قليل طلب حصول  دولة فلسطين على العضوية الكاملة للأمم المتحدة , وبعد فترة وجيزة من الخطاب قدم السيد بان كي مون الطلب إلى مجلس الأمن الدولي  لعرضه على الأعضاء ومناقشته والتصويت عليه وهذا حسب اللوائح الداخلية  للمجلس والأمم المتحدة ,والمعروف أن الطلب يحتاج إلى تسعة أصوات  من واقع خمسة عشر صوتا بالمجلس دون الفيتو ليصبح نافذا ويرفع إلى الأمم المتحدة للتصويت , لكن الولايات المتحدة تترصد الطلب الفلسطيني لإحباط حلم الفلسطينيين في دولة بالتساوي مع إسرائيل التي حصلت على دولة من طرف واحد دون الاهتمام لقرار 181 الصادر من الأمم المتحدة   عام 1948 وحسب هذا القرار فان قيام دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية دون دولة فلسطين يعتبر أمرا غير قانوني وعلى الأمم المتحدة تهيئة الظروف الدولية لاستكمال تنفيذ هذا القرار والقرارات الأخرى المتعلقة بالصراع .
بات واضحا من خلال خطاب اوباما وتوجه إدارته بأن أمريكا ستسقط الطلب الفلسطيني بمجلس الأمن بأي طريقة كانت سواء باستخدام الفيتو في لحظة الصفر أو إقناع أعضاء المجلس بالامتناع عن التصويت للقرار وبالتالي منع حصول الطلب  الفلسطيني النصاب القانوني للعضوية  , و سعي إدارة اوباما لهذا لابد وله ثمن فثمنه أن اليهود الأمريكان اشتروا اوباما لأنهم القوة التي ستلعب دورا هاما في أي انتخابات أمريكية جديدة ,وبالتالي فان اوباما سيحبط هذا القرار مقابل دعم اليهود الأمريكان  له في الانتخابات المقبلة وبالتالي يحصل على فترة أخري بالرئاسة الأمريكية , والأسبوع الماضي وقع ما يقارب المائة ألف يهودي أمريكي عريضة يطالبوا فيها اوباما باستخدام الفيتو أمام الطموح الفلسطيني وهذا الثمن يعنى أن اوباما لا يكترث بمستقبل أمريكا بقدر ما يكترث بالحصول على فترة ولاية أخري وهذا كان حال معظم رؤساء أمريكا السالفين .
أما الثمن الذي ستخسره أمريكا مقابل الفيتو أو تهديد بعض الدول الأعضاء بمجلس الأمن للامتناع عن التصويت سمعتها بالشرق الأوسط وسط حالة الربيع العربي التي تدفع فيها أمريكا نحو الحرية والديمقراطية واحترام حق الشعوب باختيار أنظمة جديدة ديمقراطيا فأنها ستخسر جديتها في هذا التوجه وستعتبر الشعوب العربية  أمريكا دولة تسعي لإغراق هذه الشعوب بالفوضى فقط أو أنها تخطط لتنصيب أزلام جدد بسبب انتهاء صلاحية الأزلام القدامى والمهم هنا أن الولايات المتحدة سوف تخسر سمعتها و نزاهتها وادعائها بالعدل والسعي للسلام ولن تعطي لها الشعوب بعد ذلك أي أذان صاغية عند حديثها عن العدل الدولي وبهذا قد تبرز مجموعات متطرفة نوعا ما تسعي وراء مصالح هذه الدولة التي لا تعرف حجم الربح والخسارة في تصرفاتها السياسية وتعتبر هذا السلوك سلوكا من اجل السلام بالشرق الأوسط وهذا بتبرير الإعلام الأمريكي للأسف والذي لم يعد له مصداقية أو يلاقي استحسان من المواطن العربي  , و ضمن الثمن الذي ستدفعه أمريكا أيضا أذا ما جعلت من الفيتو حلا لتدعم دولة إسرائيل و تناصرها في احتلالها واستيطانها الذي اخذ بالتغول بعد خطاب اوباما الذي حمل الصبغة الصهيونية , و يبدو أن هناك إيحاءا أمريكا لإسرائيل بأن تبلغ ذروة استيطانها هذه الأيام والتي ستحاول الولايات المتحدة من خلال سعيها الدبلوماسي وهيمنتها على كافة أعضاء مجلس الأمن تأخير وتسويف النظر في الطلب الفلسطيني العادل .
إن التكتل الذي حاولت أمريكا بناءة بالشرق الأوسط سيتفكك بفعل ضربات الفيتو الأمريكي و الذي يعارض الحق الفلسطيني وبفعل تدخلها المنحاز لدولة الاحتلال  في الصراع  في مقابل زيادة تقوية التكتل التركي العربي لصالح جبهة تدعم الحق العربي وتناصر الفلسطينيين في كفاحهم , وإذا ما انحل التكتل الحالي فأن علاقة أمريكا ذاتها بالعرب ستصل إلى حالة لم تسبق  من الضعف وأعتقد أن كثير من الحكومات العربية وصلت إليها لأنها تأكدت منذ أن ضحت أمريكا بحلفائها الأوفياء إن أمريكا لا صاحب لها بل وأيقنت أن الصديق الوحيد الآن هو الشعب وما يريده الشعب سوف ستحققه هذه الحكومات و بدلا من رضي أمريكا أصبح الحكام يقولون يا رضي الله و رضي الشعب العربي , ولعل أمريكا ستدفع ثمنا كبيرا أيضا إن استخدمت الفيتو لإسقاط الطلب الفلسطيني من خلال خسارتها أكثر من نصف العالم الذي يؤكد أن الفلسطينيين حان زمن تخلصهم من الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي الذي يقوض الحلول المستقبلية والتي سوف تساهم في امن واستقرار العالم اجمع وليس المنطقة العربية فقط .
لقد أصبح من المستحيل أن يمر الفيتو الأمريكي القادم مرور الكرام ويستحيل بقاء أمريكا على حالها من العلاقات الطبيعية مع العرب بعد الاصطفاف الكامل في معسكر الاحتلال والتحدث باسم الاحتلال والتغاضي عن ما يفعله الاحتلال من سرقة وتهويد واستيطان وكأن أمريكا أصبحت تضرب بقدم إسرائيل علانية في وجه كل العرب وإن رضيت الحكومات بهذا فأن الشعوب بالتأكيد لن ترضي بهذا الذل الامرو صهيوني حتى وان قدم لها العسل في أطباق الديمقراطية وتحولت حياتها إلى ربيع دائم .
Akkad_price@yahoo.com

إرسال تعليق

جميع الردود تعبر عن رأي كاتبيها فقط ، وحرية النقد متاحة لجميع الأعضاء والقراء والقارئات الكرام بشرط ان لايكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من العبارات البذيئة وتذكر قول الله تعالى " مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد" صدق الله العظيم

 
الى الاعلى